الحمد لله وحده، وصلاة وسلاماً على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:
الطاغوت: صيغة مبالغة (فعلوت) من الطغيان، الذى هو مجاوزة الحد.
وطغيانه ليس طغيان مخلوق على مخلوق (قوى على ضعيف أو غنى على فقير مثلا) ولكنه طغيان على الله، على حقه في أن يُعبد وحده لا شريك له، فينزل المخلوق نفسه أو غيره منزلة الخالق في أي نوع من أنواع العبادة ومنها التحاكم إلى غير ما أنزل الله.
ورد ذكر ( الطاغوت) ثمان مرات في القرآن منها قول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٣٥﴾ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [سورة النحل: 35-36].
احتج المشركون بالقدر على شركهم.. وتحليلهم وتحريمهم من دون الله: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}، فأبطل الله احتجاجهم على هذين الأمرين بأنه أرسل إليهم الرسل بالأمر الشرعى يأمرونهم بعبادة الله، وأنه أمرهم باجتناب الطاغوت {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، فاحتجاجهم بالقدر على التحليل والتحريم بغير ما أنزل الله.. {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} أبطله الله تعالى بأن الرسل قالت لهم: {وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} فتبين أن الطاغوت هنا هو من يحل ويحرم ويشرع من دون الله، أى بغير ما أنزل الله.
ومنها فى سورة النساء آية 60، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ..}.
أسلوب تعجب {أَلَمْ تَرَ}، ممن يزعم الإيمان بالتنزيل ثم يعرض عنه مريدا التحاكم إلى غيره في أي نزاع أو خصومة، فهما نقيضان لا يجتمعان، (الإيمان وإرادة التحاكم إلى غير التنزيل، أي إلى الطاغوت)؛ إذ الكفر بالطاغوت شرط صحة الإيمان.
وإليك طائفة من أقوال أهل العلم بالتفسير في هذه الآيات حتى تكون على بينة:
1- الطبرى: "يريدون أن يتحاكموا فى خصومتهم إلى الطاغوت يعنى إلى من يعظمونه ويصدرون قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله، وقد أمروا أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله وابتغوا أمر الشيطان {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}، يعنى أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى"..
2- ابن كثير: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا..}، هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعى إلا بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم فى فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر فى سبب نزول الآية..
وقال: "هذه الآية خاصة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا وقال فى قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..} [سورة النساء: 59]، فدل على أن من لم يتحاكم فى محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر".
3- قال ابن تيمية: "بعد أن ذكر هذه الآيات ومعها آيات سورة النور {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ..} [سورة النور: 47]، قال: فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص والسب ونحوه".. (الصارم 37).
قال الشنقيطي: "والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعى الإسلام {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا..}؛ لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب" (أضواء البيان).
وإليك طائفة من أقوال أهل العلم في معنى الطاغوت:
1- قال ابن جرير: "الصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كان ما كان من شيء" (جامع البيان).
2- قال ابن تيمية (28/210): "والطاغوت فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت فعلوت من الملك والرحموت والرهبوت والرغبوت. والطغيان مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغى فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت. ولهذا سمى النبى -صلى الله عليه وسلم- الأصنام طواغيت فى الحديث الصحيح قال: {ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت} والمطاع فى معصية الله، والمطاع فى اتباع غير الهدى ودين الحق –سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله –هو طاغوت ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله: طاغوت. وسمى الله فرعون وعادا طغاة، وقال فى صحبة ثمود { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ }.
3- قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): "ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. فطاغوت كل قوم: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، ومن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت ومن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته".
4- ابن عثيمين معلقا على كلام ابن القيم قال: "ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا أو اُتبعوا أو اُطيعوا.
الطاغوت: صيغة مبالغة (فعلوت) من الطغيان، الذى هو مجاوزة الحد.
وطغيانه ليس طغيان مخلوق على مخلوق (قوى على ضعيف أو غنى على فقير مثلا) ولكنه طغيان على الله، على حقه في أن يُعبد وحده لا شريك له، فينزل المخلوق نفسه أو غيره منزلة الخالق في أي نوع من أنواع العبادة ومنها التحاكم إلى غير ما أنزل الله.
ورد ذكر ( الطاغوت) ثمان مرات في القرآن منها قول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٣٥﴾ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [سورة النحل: 35-36].
احتج المشركون بالقدر على شركهم.. وتحليلهم وتحريمهم من دون الله: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}، فأبطل الله احتجاجهم على هذين الأمرين بأنه أرسل إليهم الرسل بالأمر الشرعى يأمرونهم بعبادة الله، وأنه أمرهم باجتناب الطاغوت {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، فاحتجاجهم بالقدر على التحليل والتحريم بغير ما أنزل الله.. {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} أبطله الله تعالى بأن الرسل قالت لهم: {وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} فتبين أن الطاغوت هنا هو من يحل ويحرم ويشرع من دون الله، أى بغير ما أنزل الله.
ومنها فى سورة النساء آية 60، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ..}.
أسلوب تعجب {أَلَمْ تَرَ}، ممن يزعم الإيمان بالتنزيل ثم يعرض عنه مريدا التحاكم إلى غيره في أي نزاع أو خصومة، فهما نقيضان لا يجتمعان، (الإيمان وإرادة التحاكم إلى غير التنزيل، أي إلى الطاغوت)؛ إذ الكفر بالطاغوت شرط صحة الإيمان.
وإليك طائفة من أقوال أهل العلم بالتفسير في هذه الآيات حتى تكون على بينة:
1- الطبرى: "يريدون أن يتحاكموا فى خصومتهم إلى الطاغوت يعنى إلى من يعظمونه ويصدرون قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله، وقد أمروا أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله وابتغوا أمر الشيطان {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}، يعنى أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى"..
2- ابن كثير: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا..}، هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعى إلا بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم فى فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر فى سبب نزول الآية..
وقال: "هذه الآية خاصة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا وقال فى قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..} [سورة النساء: 59]، فدل على أن من لم يتحاكم فى محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر".
3- قال ابن تيمية: "بعد أن ذكر هذه الآيات ومعها آيات سورة النور {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ..} [سورة النور: 47]، قال: فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص والسب ونحوه".. (الصارم 37).
قال الشنقيطي: "والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعى الإسلام {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا..}؛ لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب" (أضواء البيان).
وإليك طائفة من أقوال أهل العلم في معنى الطاغوت:
1- قال ابن جرير: "الصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كان ما كان من شيء" (جامع البيان).
2- قال ابن تيمية (28/210): "والطاغوت فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت فعلوت من الملك والرحموت والرهبوت والرغبوت. والطغيان مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغى فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت. ولهذا سمى النبى -صلى الله عليه وسلم- الأصنام طواغيت فى الحديث الصحيح قال: {ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت} والمطاع فى معصية الله، والمطاع فى اتباع غير الهدى ودين الحق –سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله –هو طاغوت ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله: طاغوت. وسمى الله فرعون وعادا طغاة، وقال فى صحبة ثمود { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ }.
3- قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): "ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. فطاغوت كل قوم: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، ومن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت ومن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته".
4- ابن عثيمين معلقا على كلام ابن القيم قال: "ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا أو اُتبعوا أو اُطيعوا.